الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (45): {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)}{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي على النار المدلول عليها بالعذاب، والجملة كالسابقة {خاشعين} متضائلين متقاصرين {مَّنَ الذل} أي بسبب الذل لعظم ما لحقهم فمن سببية متعلقة بخاشعين وهو وكذا ما بعده حال.وجوز أن يعلق الجار بقوله تعالى: {يُنظَرُونَ} ويوقف على {خاشعين} {مِن طَرْفٍ خَفِىّ} والأول أظهر، والطرف مصدر طرف إذا حرك عينه ومنه طرفة العين، والمراد بالخفي الضعيف، ومن ابتدائية أي يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف سارقة كما ترى المصبور ينظر إلى السيف وهكذا نظر الناظر إلى المكاره لا يقدر أن يفتح أجفانه عليها ويملأ عينيه منها كما يفعل في نظهر إلى المحاب، ويجوز أن تكون من عنى الباء.وعن ابن عباس {خَفِىّ} ذليل فالطرف عليه جفن العين، وقيل: يحشرون عميًا فلا ينظرون إلا بقلوبهم وذاك نظر من طرف خفي، وهو تأويل متكلف، والجملتان السابقتان أعني {تَرَى الظالمين وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ} معطوفان على {وَمَن يُضْلِلِ} وأصل الكلام والظالمون لما رأوا العذاب يقولون وهم يعرضون عليها خاشعين، ثم قيل: {وَتَرَى وَتَرَاهُمْ} خطابًا لكل من يتأتى مه الرؤية ويعتبر بحالهم زيادة للتهويل كأنه يعجبهم مما هم فيه ليعتبروا واو يبتهجوا، ومنه يظهر أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه {وَقَالَ الذين ءامَنُواْ إِنَّ الخاسرين} أي أنهم {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ} بالتعريض للعذاب الخالد أو على ما مر في الزمر، وعدل عن أنهم إلى المنزل تسجيلًا عليهم بأكمل الخسران إذ المراد أن الكاملين في صفة الخسران المتصفين بحقيقته {يَوْمُ القيامة} متعلق بخسروا والقول في الدنيا، وجوز أن يكون متعلقًا بقال، والماضي لتحقق الوقوع أي ويقولون إذا رأوهم على تلك الصفة. وفي «الكشف الظاهر» أنه قول يوم القيامة كالخسران من باب التنازع بين الفعلين، وآثر صاحب الكشاف على ما يؤذن به صنيعه أن يتعلق بالخسران وحده لأن الأصل في {قَالَ} الذين آمنوا إن الخاصرين {إلخ} هم الخاسرون كما أن الأصل في {بَعْدِهِ وَتَرَى الظالمين} والظالمون لما رأوا ثم قيل: {وَقَالَ الذين ءامَنُواْ} على نحو ما قيل {وَتَرَى} إلخ وكما أن الرؤية رؤية الدنيا استحضاراف لعذابهم الكائن في الآخرة تهويلًا كذلك القول كأنهم جعلهم حضورًا يعاين عذابهم ويسمع ما يقول المؤمنون فيهم ورد على الخطاب في الرؤية والغيبة في القول لأن معاينة العذاب لما كانت أدخل في التهويل جعل العذاب قريبًا مشاهدًا وخصوا بالخطاب على سبيل استحضار الحال لمزيد الابتهاج ولم يكن في الخسران ذلك المعنى لأنه أمر معقول والمحسوسات أقوى لاسيما إذا كن موجبات الخسران فجيء به على الأصل من الغيبة، وعدله من المضارع إلى الماضي لأنه قول صادر عن مقتضى الحال قد حق ووقع تفوهوا به أولًا وأسند إلى المؤمنين دلالة على الابتهاج المذكور واغتباطهم بنجاتهم عما هم فيه وإلا فالقول والرؤية لكل من يتأتى منه القول والرؤية، وجعله حالًا كما فعل الطيبي على معنى وتراهم وقد صدق فيهم قول المؤمنين في الدنيا أن الخاسرين إلخ من أسلوب قوله:وفيه أنه إنما يرتكب عند تعذر الحقيقة وقد أمكن الحمل على التنازع فلا تعذر.ثم أنه على التقدير لا يظهر أنه قول فيها إلا بدليل خارج، وهذا بخلاف اذكره جار الله في قوله تعالى: {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد} [ق: 28] من تقدير وقد صح عندكم أني قدمت لأن في اللفظ إشعارًا به بينا انتهى، ولعمري لقد أبعد قدس سره المغزى في هذه الآيات العظام وأتى بما تستحسنه النظار من ذي الأفهام فليفهم، وقوله تعالى: {أَلاَ إِنَّ الظالمين فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} إما من تمام كلام المؤمنين ويجري فيه ما سمعت من الأصل ونكتة العدول أو استئناف أخبار منه تعالى تصديقًا لذلك. .تفسير الآية رقم (46): {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)}{وَمَا كَانَ لَهُم مّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم} برفع العذاب عنهم {مِن دُونِ الله} حسا يزعمون {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ} إلى الهدي أو النجاة، وقيل: المراد ما له من حجة..تفسير الآية رقم (47): {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)}{استجيبوا لِرَبّكُمْ} إذا دعاكم لما به النجاة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله} الجار والمجرور أما متعلق رد ويعامل اسم لا الشبيه بالمضاف معاملته فيترك تنوينه كما نص عليه ابن مالك في التسهيل؛ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «لا مانع لما أعطيت» وقوله تعالى: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ اليوم} [يوسف: 92] أي لا يرده الله تعالى بعدما حكم به.ومن لم يرض بذلك قال: هو خبر لمبتدأ محذوف أي ذلك من الله تعالى، والجملة استئناف في جواب سؤال مقدر تقديره ممن ذلك؟ أو حال من الضمير المستتر في الظرف الواقع خبر لا أو متعلق بالنفي أو بما دل عليه كما قيل في قوله تعالى: {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ جْنُونٍ} [القلم: 2] وقيل: هو متعلق بيأتي، وتعقب بأنه خلاف المتبادر من اللفظ والمعنى، وقيل: هو مع ذلك قليل الفائدة، وجوز كونه صفة ليوم، وتعقب بأنه ركيك معنى، والظاهر أن المراد بذلك اليوم يوم القيامة لا يوم ورود الموت كما قيل: {مَا لَكُمْ مّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ} أي ملاذ تلتجئون إليه فتخلصون من العذاب على أن {مَلْجَأَ} اسم مكان، ويجوز أن يكون مصدرًا ميميًا {وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ} إنكار على أنه مصدر أنكر على غير القياس ونفى ذلك مع قوله تعالى حكاية عنهم: {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] تنزيلًا لما يقع من إنكارهم منزلة العدم لعدم نفعه وقيام الحجة وشهادة الجوارح عليهم أو يقال أن الأمرين باعتبار تعدد الأحوال والمواقف، وجوز أن يكون {نَكِيرِ} اسم فاعل للمبالغة أي ما لكم منكر لأحوالكم غير مميز لها ليرحمكم وهو كما ترى..تفسير الآيات (48- 49): {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)}{فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} تلوين للكلام وصرف له عن خطاب الناس بعد أمرهم بالاستجابة وتوجيه له إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي فإن لم يستجيبوا وأعرضوا عما تدعوهم إليه فلا تهتم بهم فما أرسلناك رقيبًا ومحاسبًا عليهم {إِنْ عَلَيْكَ} أي ما عليك {إِلاَّ البلاغ} لا الحفظ وقد فعلت.{وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} أي نعمة من الصحة والغنى والأمن ونحوها {فَرِحَ بِهَا} أريد بالإنسان الجنس الشامل للجميع وهو حينئذ عنى الأناسي أو الناس ولذا جمع ضميره في قوله سبحانه: {وَإِن تُصِبْهُمْ} وليست للاستغراق والجمعية لا تتوقف عليه فكأنه قيل: وإن تصب الناس أو الأناسي {سَيّئَةٌ} بلاء من مرض وفقر وخوف وغيرها {ا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بسبب ما صدر منهم من السيئات {فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ} بليغ الكفر ينسى النعمة رأسًا ويذكر البلية ويستعظمها ولا يتأمل سببها بل يزعم أنها أصابته من غير استحقاق لها.وأل فيه أيضًا للجنس، وقيل: هي فيهما للعهد على أن المراد المجرمون، وقيل: هي في الأول للجنس وفي الثاني للعهد، وقال الزمخشري: أراد بالإنسان الجمع لا الواحد لمكان ضمير الجمع ولم يرد إلا المجرمين لأن إصابة السيئة بما قدمت أيديهم إنما يستقيم فهيم، ثم قال: ولم يقل فإنه لكفور ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم كما قال سبحانه: {إن إنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] {إِنَّ الإنسان لِرَبّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6] ففهم منه العلامة الطيبي أنها في الأول للعهد وأن المراد الكفار المخاطبون في قوله تعالى: {استجيبوا لِرَبّكُمْ} [الشورى: 47] فإن أعرضوا {وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ}، ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بتصميمهم على الكفران والإيذان بأنهم لا يرعوون مما هم فيه وأنها في الثاني للجنس ليكون المعنى لس ببدع من هذا الإنسان المعهود الإصرار لأن هذا الجنس موسوم بكفران النعم فيكون ذم المطلق دليلًا على ذم المقيد، وفي الكشف أنه أراد أن الإنسان أي الأول للجنس الصالح للكل وللبعض وإذا قام دليل على إرادة البعض تعين وقد قام لما سلف أن الإصابة في غير المجرمين للعوض الموفي ولم يذهب إلى أن اللام للعهد وجعل قوله تعالى: {فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ} للجنس ليكون تعليلًا للمقيد بطريق الأولى ومطابقًا لما جاء في مواضع عديدة من الكتاب العزيز؛ ولا بأس بأن يجعل إشارة إلى السالف فإنه للجنس أيضًا، ويكون في وضع المظهر موضع المضمر الفائدة المذكورة مرارًا بل هو أدل على القانون الممهد في الأصول وبكون كليهما للجنس أقول؛ وإسناد الكفران مع أنه صفة الكفرة إلى الجنس لغلبتهم فهو مجاز عقلي حيث أسند إلى الجنس حال أغلب أفراده لملابسته الأغلبية، ويجوز أن يعتبر أغلب الأفراد عين الجنس لغلبتهم على غيرهم فكيون المجاز لغويًا، وكذا يقال في إسناد الفرح إذا كان عنى البطر فإنه أيضًا من صفات الكفرة بل أن كان أيضًا عناه المعروف وهو انشراح الصدر بلذة عاجلة وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية الدنيوية فإنه وإن لم يكن من خواص الكفار بل يكون في المؤمنين أيضًا اضطرارًا أو شكرًا إلا أنه لا يعم جميع أفراد الجنس وإن قلت بعمومه لم تحتج إلى ذلك كما إذا فسرته بالبطر على إرادة العهد في الإنسان، وإصابة السيئة بالذنوب غير عامة للأفراد أيضًا فحال إسنادها يعلم مما ذكرنا؛ وتصدير الشرطية الأولى بإذا مع إسناد الإذاقة بلفظ الماضي إلى نون العظمة للتنبية على أن إيصال النعمة محقق الوجود كثير الوقوع وأنه مراد بالذات من الجواب المطلق سبحانه وتعالى كما أن تصدير الثانية بإن وإسناد الإصابة بلفظ المضارع إلى السيئة وتعليلها بأعمالهم للإيذان بندرة وقوعها وأنها نزل عن الانتظام في سلك الإرادة بالذات والقصد الأولى، وإقامة علة الجزاء مقام الجزاء مبالغة في ذمهم..تفسير الآية رقم (50): {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)}{للَّهِ مُلْكُ السموات والأرض} لا لغيره سبحانه اشتراكًا أو استقلالًا {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} من غير وجوب عليه سبحانه: {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إناثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور}.{أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانًا وإناثا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا} استئناف بياني أو بيان ليخلق أو بدل منه بدل البعض على ما اختاره القاضي، ولما ذكر سبحانه إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها أتبع جل وعلا ذلك أن له سبحانه الملك وأنه تعالى يقسم النعمة والبلاء كما شاء بحكمته تعالى البالغة لا كما شاء الإنسان بهواه، وفيه إشارة إلى أن إذاقة الرحمة ليست للفرح والبطر بل للشكر لموليها وإصابة المحنة ليست للكفران والجزع بل للرجوع إلى مبليها؛ وتأكيد لإنكار كفرانهم من وجهين. الأول: أن الملك ملكه سبحانه من غير منازع ومشارك يتصرف فيه كيف يشاء فليس على من هو أحقر جزء من ملكه تعالى أن يعترض ويريد أن يجري التدبير حسب هواه الفاسد. الثاني: أن هذا الملك الواسع لذلك العزيز الحكيم جل جلاله الذي من شأنه أن يخلق ما يشاء فأنى يجوز أن يكون تصرفه إلا على وجه لا يتصور أكمل منه ولا أوفق لمقتضى الحكمة والصواب، وعند ذلك لا يبقى إلا التسليم والشغل بتعظيم المنعم المبلي عن الكفران والإعجاب، وناسب هذا المساق أن يدل في البيان من أول الأمر على أنه تعالى فعل لمحض مشيئته سبحانه لا مدخل لمشيئة العبد فيه فلذا قدمت الإناث وأخرت الذكور كأنه قيل يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء من الأناسي ما لا يهواه ويهب لمن يشاء منهم ما يهواه فقد كانت العرب تعد الإناث بلاء {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بالانثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 58] ولو قدم المؤخر لاختل النظم، وليس التقديم لمجرد رعاية مناسبة القرب من البلاء ليعارض بأن الآية السابقة ذكرت الرحمة فيها مقدمة عليه فناسب ذلك تقديم الذكور على الإناث، وفي تعريف الذكور مع ما فيه من الاستدراك لقضية التأخير التنبيه على أنه المعروف الحاضر في قلوبهم أول كل خاطر وأنه الذي عقدوا عليه مناهم، ولما قضى الوطر من هذا الأسلوب قيل: {أَوْ يُزَوّجُهُمْ} أي الأولاد {ذُكْرَانًا وإناثا} أي يخلق ما يهبهم زوجًا لأن التزويج جعل الشيء زوجًا فذكرانًا وأناثًا حال من الضمير، والواو قيل للمعية لأن حقه التأخير عن القسمين سياقًا ووجودًا فلا تتأتى المقارنة إلا بذلك، وقيل ذلك لأن المراد يهب لمن يشاء ما لا يهواه ويهب لمن يشاء ما يهواه أو يهب الأمرين معالًا أنه سبحانه يجعل من كل من الجنسين الذكور والإناث على حياله زوجًا ولولا ذلك لتوهم ما ذكر فتأمله، ولتركبه منهما لم يكرر فيه حديث المشيئة، وقدم المقدم على ما هو عليه في الأصل ولم يعرف إذ لا وجه له، ثم قيل: {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا} أي لا يولد له فقيد بالمشيئة لأنه قسم آخر، وكأنه جيء بأو في {أَوْ يُزَوّجُهُمْ} دون الواو كما في سابقه من حيث أنه قسم الانفراد المشترك بين الأولين ولم يؤت في الأخير لاتضاحه بأنه قسيم الهبة المشتركة بين الأقسام المتقدمة فتأمل، وقيل قدم الإناث توصية برعايتهن لضعفهن لاسيما وكانوا قريبي العهد بالوأد، وفي الحديث:«من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له سترًا من النار» وقيل: قدمت لأنها أكثر لتكثير النسل فهي من هذا الوجه أنسب بالخلق المراد بيانه، وقيل: لتطييب قلوب آبائهن لما في تقديمهن من التشريف لأنهن سبب لتكثير مخلوقاته تعالى، وقال الثعالبي: إنه إشارة إلى ما في تقدم ولادتهن من اليمن حتى أن أول مولود ذكر يكون مشؤمًا فيقولون له بكر بكرين؛ وعن قتادة من يمن المرأة تبكيرها بأنثى، وقيل: قدمت وأخر الذكور معرفًا للمحافظة على الفواصل، والمناسب للسياق ما علمت سابقًا، وقال مجاهد في {أَوْ يُزَوّجُهُمْ} التزويج أن تلد المرأة غلامًا ثم تلد جارية، وقال محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنهما: هو أن تلد توأمًا غلامًا وجارية. وزعم بعضهم أن الآية نزلت في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حيث وهب سبحانه لشعيب ولوط عليهم السلام أناثًا ولإبراهيم عليه السلام ذكورًا ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ذكورًا وإناثًا وجعل عيسى ويحيى عليهما السلام عقيمين اه {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} مبالغ جل شأنه في العلم والقدرة فيفعل ما يفعل بحكمة واختيار.
|